اشتهر فان هيل بنظريته التي تصف كيفية تعلم الطلاب للهندسة، وقد ولد في عام 1909 وتوفي في الأول من نوفمبر 2010. ظهرت هذه النظرية عندما طور كل من بيير فان هيل وزوجته ديانا فان هيل نظريتهما في رسالتي دكتوراه منفصلتين أواخر العام 1957 في هولندا، وقد توفيت ديانا بعد أن أنهت رسالتها الدكتوراه التي تناولت موضوع تعليم الهندسة. ويرجع الفضل إلى زوجها بيير الذي قام بتوضيح تلك النظرية وشرحها في موضوع دراسته حول «دور الحدس في تعليم الهندسة ».
لا أحد ينكر الدور الذي تلعبه الهندسة في مناهج الرياضيات منذ السنوات الأولى من التعليم، فهي تقوم بمعالجة الأشكال والفراغ والعلاقة بينها وتختلف كثيراً عن الحساب الذي يرتكز على الأرقام والعمليات الحسابية.
فالهندسة تمتزج بحياتنا اليومية وفي كل ما يحيط بنا في الفضاء، والأجرام السماوية ونظامها وحركتها، وفي الأرض وطبيعتها التضاريسية، وفي الفن والهندسة المعمارية وعلم الفلك والتماثيل والرياضة، وحتى في الآلات الموسيقية. مما يدعو إلى زيادة الاهتمام بالهندسة وخاصة في السنوات الأولى من التعليم، ويكون التركيز على الأشكال الهندسية وخصائصها والعلاقات فيما بينها ومنه يتم الانتقال إلى التفكير المجرد.
وفعلا فقد برز في الآونة الأخيرة الاهتمام بالهندسة، فأصبحت ذات أهمية أكثر من أي وقت مضى، وقد بلغ هذا الاهتمام ذروته عندما أوصى المجلس القومي لمعلمي الرياضيات بالولايات المتحدة الأمريكية (NCTM,1989) إلى ضرورة زيادة التركيز على الهندسة في جميع المستويات واعتبرها من أبرز معايير الرياضيات في عقد التسعينات في القرن العشرين، وذلك لأن المعرفة الهندسية وإدراك علاقاتها مرتبطان ببنية الفرد وحياته اليومية، علاوة على ارتباطها الوثيق بموضوعات رياضياتية وعلمية أخرى، مما يشير إلى الاهتمام بالهندسة وكيفية تدريسها.
إضافة إلى ذلك، فالهندسة لها من الإمكانيات ما تعزز القوة الرياضياتية لدى المتعلمين وذلك للاعتبارات التالية:
◀اشتغال المتعلم بالأشكال الهندسية تجعله يستمتع أثناء التعلم وبالتالي تحسين أدائه في الرياضيات.
◀جعل المواضيع والمفاهيم الرياضياتية أكثر حسية من خلال التعامل بشكل مباشر مع الأشكال والمجسمات والعلاقات بينها.
◀ إتاحة الفرصة للانخراط في عمليات الاستقصاء والبرهان الرياضياتي وحل المشكلات والتفكير والتواصل.
لذا، فمن الضروري، بالنسبة للمدرسين، أن يفهموا طريقة التفكير الهندسي عند المتعلم وكيفية نمو هذا التفكير، كي يكونوا قادرين على التعامل السليم معه.
أهمية نموذج فان هيل في تدريس الهندسة
يُعد تحسين مستويات التفكير الهندسي لدى التلاميذ واحداً من الأهداف الرئيسية لتدريس الرياضيات، حيث أن التفكير الهندسي مهم في العديد من المجالات العلمية والتقنية والمهنية، فضلا عن ذلك يوفر التفكير الهندسي طرقاً لتطوير الأفكار عن ظواهر عديدة والتعبير عنها، فمن خلالها يجد التلاميذ أن دراسة الهندسة ذات معنى، كما أن التفكير الهندسي أحد أنواع التفكير التي جذبت اهتمام التربويين، لأن اكتساب التلميذ لهذا التفكير يصله إلى المستويات العليا: على سبيل المثال كتابة البرهان الهندسي، فالتفكير الهندسي فكرة معقدة تتطلب مستويات بصرية وتحليلية عدة كي تُكتسب.
لقد لفت نموذج فان هيل (Van Hiele) أنظار المشتغلين في مجال تعليم وتعلم الرياضيات في كل من هولندا والاتحاد السوفيتي سابقا ودول أوروبا، فقامت هذه الدول بمراجعة موضوعات الرياضيات المتعلقة بالهندسة في ظل مبادئ هذا النموذج، وأظهرت هذه المراجعة أن النموذج يتمتع بقابلية عالية للتطبيق في نطاق واسع وغير محدود.
إن من أهم العوامل التي ساهمت في انتشار وتطوير نموذج (فان هيل) هو: اعتماده على مستويات التفكير الهندسي فيما يخص تقدم التلاميذ في تعلم الهندسة بدلاً من اعتماده فقط على السن والنضج البيولوجي، وكذلك دعمت البحوث دقة هذا النموذج، ودعوتهم لتطوير الهندسة وتنفيذها في الفصول الدراسية بما يتوافق معه.
وقد أوصى التقرير المعلن من (National Council of Teachers of Mathematics) المعروف اختصارا بـ (NCTM) الصادر سنة 1989، بإدخال نموذج فان هيل للممارسة الفعلية ووضعه محل التنفيذ في أمريكا، كما أوصى كذلك الكونجرس العالمي لتعليم الرياضيات في مؤتمره السابع المنعقد بمدينة كيوبيك (Quebic) الكندية (1992) بتدريس الهندسة في ضوء نموذج فان هيل.
ويرى كثير من الباحثين: بأن مستويات فان هيل مفيدة في تحديد مشاكل التلاميذ في فهم المفاهيم الهندسية وتقيم هيكل أو تطوير وتوجيه المحتوى الهندسي في كتب الرياضيات المدرسية الثانوية.
لقد أصبح نموذج فان هيل في الكثير من الدول العامل الأكثر تأثيرا في تطوير محتوى الهندسة في كتب الرياضيات، ففي جنوب أفريقيا حاولت منظمة تعلم الرياضيات ومبادرة التعلم إعادة تصور لتعليم وتعلم الهندسة واقترحوا تغيرات على محتوى الهندسة، حيث رأى الفريق أن نموذج فان هيل يمكن استخدامه كإطار لفهم الهندسة لدى التلاميذ، وكفكرة لوضع محتوى الهندسة في كتب الرياضيات.
سنقوم في هذا المقال بدراسة نموذج فان هيل وفق ثلاثة جوانب أساسية، هي : مستويات التفكير الهندسي، وخصائص المستويات، ومراحل الانتقال بين مستويات التفكير
1- مستويات التفكير الهندسي
ترى نظرية فان هيل أنّ التعلم هو عملية غير متصلة ، إذ توجد قفزات في منحنى التعلم، وهذا يعني وجود مستويات تفكير منفصلة ومختلفة، وهذه المستويات هي:
المستوى الأول: المستوى التصوري (Visualization)
ويسمى أيضا مستوى التعرف على الشكل، فيه يحكم المتعلم على الشكل الهندسي من مظهره العام بناء على صورة معينة في ذهنه، فهو لا يركز على خصائصه ولا يعرف شيئا عنها ولا يستطيع الربط بيها. فبالنسبة له فإن المثلث يختلف عن المربع، والمربع يختلف عن المستطيل، وأيضاً إذا تحرك المربع قليلاً بشكل مائل فإنه لا يعود مربعاً...
وفي هذا المستوى يمكن للمتعلم أن يقوم بما يلي:
- يتعرف على هيئة الشكل.
- ينسخ أو يرسم شكلا كاملا.
- يسمي أشكالا بأسماء عامة (مثل المستطيل على شكل الباب والمربع على شكل شباك).
- يميز بين الأشكال بحسب مظهرها ويصفها بالكلام.
- يتعرف على أجزاء الشكل.
- ينظر لكل شكل على حدة بدون تعميم.
- يميز بين المضلعات وغير المضلعات، لكن لا يستطيع التمييز بين الأشكال من نفس النوع.
المستوى الثاني : المستوى التحليلي ( Analysis)
ويدعى أيضا المستوى الوصفي (descriptive)، في هذا المستوى يستطيع المتعلم تحليل الأشكال الهندسية بدلالة مكوناته والعلاقة بين هذه المكونات. كما يعتمد صفات مميزة لكل فئة من الأشكال بشكل تجريبي (الطي، القياس، الشبكات)، ويستخدم الخصائص في حل المسائل. فمثلاً؛ يفكر في المربع على أنّ له أربعة أضلاع وأربع زوايا قائمة. ويقارن بين الأشكال بالاعتماد على الخصائص وليس بالاعتماد على الشكل العام، فمثلاً يقارن بين المربع والمثلث بالاعتماد على عدد الأضلاع، ولكن لا يستطيع الطالب في هذا المستوى الربط بين الخصائص، فمثلاً لا يستنتج أن المربع هو متوازي أضلاع.
يمكن للمتعلم في هذا المستوى أن يقوم بما يلي:
- يميز بين الأشكال ويقارنها حسب خواصها ومكوناتها.
- يتعرف على شكل من خواصه ويختبرها بالقياس.
- يستخدم الخواص في رسم شكل.
- يعمم خواصا على مجموعة من الأشكال (المربعات لها أربع أضلاع لها أربع زوايا قائمة)
- لا يرى حاجة للإثبات والبرهنة، فيكفي بالقياس مثلا.
المستوى الثالث: مستوى الاستنتاج غير الشكلي ( Informal deduction)
ويسمى أيضا المستوى الترتيبي ( ordering ) أو العلائقي (relationship). في هذا المستوى يستطيع التلميذ استخدم خواص الأشكال الهندسية في صياغة تعريف تلك الأشكال، كما أنه يستطيع ربط خواص الأشكال على مستوى الشكل الواحد، أو على مستوى الأشكال المختلفة. ويرتّب الأشكال والعلاقات بشكل منطقي، كما يستخدم استنتاجاً بسيطاً ولكنه لا يفهم البرهان، ويستطيع فهم العلاقات بين النظريات والمسلمات، وتتضح لديه بعض مفاهيم الشروط الضرورية والكافية.
في هذا المستوى يمكن للمتعلم أن:
- يرتب أشكالا هندسية في ضوء خواصها ولكن دون الاستناد إلى برهان منطقي.
- يدرك الخصائص التي تكفي لتمييز شكل عن آخر.
- يستنتج بعض خواص العلاقات مثل: إذا كان b = a فإن a = b وأنه إذا كان c = a و c=b فإن b=a
- يصل إلى نتائج من معطيات ويدلل على صحتها بطرق غير شكلية.
- يتابع برهانا منطقيا ولكنه لا يقيمه بنفسه.
- يدرك الفرق بين نظرية هندسية ومعكوسها ويشرحها بطرق غير شكلية.
المستوى الرابع: مستوى الاستنتاج الشكلي ( Formal deduction)
يتحدد هذا المستوى بالتفكير النظري وبناء البراهين للنظريات الهندسية واستخلاص نتائج من خواص ومعطيات محددة، ويستطيع التلميذ في هذا المستوى التمييز بين العناصر غير المعرَّفة والتعريفات والمسلمات والبرهان، ويذكر السبب بعبارات منطقية وبالاعتماد على المسلمات والنظريات.
فهو قادر في هذا المستوى على:
- التمييز بين العبارات التي تقبل كمسلمة وتلك التي يجب برهنتها (النظرية).
- إنتاج مجموعة من العبارات المترابطة فيما بينها حتى يصل إلى النتيجة المطلوبة أو التي تساعده في الوصول إلى المطلوب إثباته بالبرهان.
- إدراك معنى الشرط اللازم والشرط الكافي ( مثال بالنسبة للشرط الكافي : إذا كان ABCD متوازي أضلاع فإن (CD)//(AB) . ومثال لشرط لازم لكنه غير كاف: إذا كان (CD)//(AB) فهذا شرط لازم ولكنه ليس كافيا لأن يكون ABCD متوازي أضلاع).
المستوى الخامس: مستوى الدقة والصرامة ( Precision and Rigor)
ويسمى أيضا المستوى التجريدي( rigor) أو المستوى الفوق الرياضياتي (amathematical) أو المستوى المسلماتي ( axiomatic)
في هذا المستوى يشتغل التلاميذ في أنظمة بديهية مختلفة، ويصير وبإمكانهم دراسة المواضيع الهندسية المختلفة، والمقارنة بين مختلف الأنظمة الهندسية، و مقارنة أنظمة الاستنتاجات المختلفة، والتلاميذ في هذا المستوى يفهمون الهندسة غير الإقليدية، كما أنه يكون بمقدورهم وعي وفهم دور المنطق والطرق المختلفة للبرهان.
فالمتعلم في هذا المستوى قادر على أن:
- ينشئ علاقات بين النظريات المختلفه
- يبرهن على بعض النظريات بعدة طرق ( بحسب طبيعة النظرية مثل البرهان المباشر من المعطيات إلى المطلوب)
- يبرهن باستنفاذ جميع الحالات في المواقف محدودة الإمكانات.
- يثبت النقيض أو التناقض أو عدم اتساق بين مجموعة من العبارات أو الخصائص.
- يدرك أهمية استقلال المسلمات التي يبنى عليها نظام هندسي معين
- يتعامل مع أشكال ثلاثية الأبعاد.
2- خصائص مستويات التفكير الهندسي
تتميز مستويات التفكير الهندسي وفق نظرية فان هيل بما يلي:
◀ التتابع الثابت (fixed sequence): وهي ضرورة مرور المتعلم من المستوى السابق قبل الوصول إلى المستوى اللاحق.
◀ التقدم (Advancement)أوالتجاور(adjacency) : وهو كل ما يكون ضمنيا في مستوى التفكير السابق يصبح صريحا في المستوى التالي، والتقدم من مستوى إلى مستوى أعلى يعتمد على أساليب تعليمية مناسبة.
◀ التمييز ( distinct ) : لكل مستوى تفكير رموز خاصة ولغة خاصة وعلاقاته الخاصة التي تربط بين الرموز، فاللغة المستخدمة في المستوى الأعلى تصبح أكثر دقة في المستوى الأدنى، أي أنه يوجد بناء لغوي لكل مستوى من مستويات التفكير الهندسي.
◀ الفصل (Separation) : لا يُمكن لشخصين في مستوى تفكير مختلف فهم بعضهما البعض. فإذا كان التلميذ في المستوى الأدنى والمعلم يشرح في المستوى الأعلى، فلن يتمكن التلميذ من فهم ما يقوله المعلم.
◀ الاكتساب (Acquisition): ويعني أنه يمكن لعملية التعلم نقل التلميذ من مستوى تفكير إلى آخر أعلى.
3- مراحل الانتقال بين مستويات التفكير
اعتقد فان هيل أنّه يمكن تسريع التطوير الذهني المعرفي في الهندسة من خلال التعليم، وليس من خلال النضج أو العمر، وحسب لفان هيل، فإن الانتقال من مستوى تفكير إلى آخر يتم من خلال خمس مراحل، وهي:
◀المعلومات: يجب أن يبدأ التدريس بمواد تقدم للطفل وتقوده لاكتشاف بُنى معينة.
◀ الوضوح(explicitation): يقدم المعلم المصطلحات الهندسية، ويشجع التلاميذ على استخدامها في كتاباتهم في حصص الهندسة.
◀ التوجيه المباشر(directed orientation): وهي أن تقدم المهام للتلاميذ بطريقة تجعل البُنى المتعلمة مألوفة لديهم.
◀ التوجيه الحر(Free orientation): يقدم المعلم مهمات يمكن إتمامها بطرق مختلفة، ويكتسب التلاميذ خبرات في حل متطلبات بمفردهم بالاعتماد على ما درسوه سابقا.
◀ التكامل(Integration): يُعطى التلاميذ فرصا لتجميع ما درسوه سابقا، كأن يصمموا أنشطتهم بأنفسهم، يمكن من خلالها خلق فكرة خاصة بهم.
يقتصر دور المعلم في المرحلة الأخيرة على التخطيط للمهام، وتوجيه انتباه الطلبة للخصائص الهندسية للأشكال، واستخدام مصطلحات هندسية، وتشجيع الطلبة على استخدامها، وتشجيع حل المشكلات التي تحتاج إلى تفكير تحليلي حول الأشكال الهندسية، مع أهمية استخدام مواد ملموسة مثل أحاجي الفسيفساء(Mosaic Puzzle) التي تساعد على بناء خلفية بصرية وتفكير تحليلي عند الأطفال. يرى فان هيل ضرورة أن يتذكر المعلم دائماً أن الهندسة تبدأ باللعب.
خلاصة:
تعتبر نظرية فان هيل في التفكير الهندسي من النظريات المهمة التي تلقى اهتمام التربويين في العالم؛ وذلك لأنّ فهمها ومعرفتها يساعد في تدريس الهندسة للطلبة في المراحل المختلفة. وللنظرية تبعات تربوية كثيرة، فهي تفرض على المعلمين ضرورة مرور طلبتهم خلال مستويات تفكير دنيا، وصولاً إلى مستويات التفكير العليا، غير أنّ ذلك قد يستغرق بعض الوقت، كما أن على معلمي الرياضيات معرفة أن التعليم أساسي للتقدم خلال المستويات، وأنه بإمكان الطلبة الفهم والتوسع في نظام مسلمات فقط عندما يصلون إلى مستويات التفكير العليا في الهرمية، وقد يفسر ذلك ما أظهرته دراسات عديدة وهو أن كتابة برهان هندسي أمر صعب وغير مرغوب فيه بين الطلبة، ذلك لأن مثل هؤلاء الطلبة قد لا يكونون قد وصلوا إلى مستوى الاستنتاج الشكلي، فقد أظهرت دراسة أنّ الطلبة الذين كانت خلفيتهم الهندسية ضعيفة في المستويين البصري والتحليلي ودخلوا المرحلة الثانوية، كانت فرصتهم في تعلم الهندسة في وقت لاحق من السنة قليلة، ولم يكونوا قادرين إلا على حفظ البراهين.
المراجع:
- نظرية فان هيل في التفكير الهندسي، رفاء الرمحي، مجلة رؤى تربوية العدد 29
- موقع تعليم جديد: https://www.new-educ.com/
- بحث تربوي بعنوان: صعوبة تعلم البرهان الرياضي لدى تلاميذ المستوى الإعدادي في الهندسة من إعداد الأستاذ المتدرب مراد الحجيلي، السنة التكوينية 2013.2014
المرجو عدم نشر تعليقات غير مناسبة للمحتوى